في مكتبة كلية القانون بجامعة واشنطن, لطالما مرت ملك شلبي بصور الصفوف من الأعوام السابقة. ففي البداية, كان أغلب الطلاب على الصور من الرجال البيض.
تقول ملك شلبي:” ببساطة لم يكن هنالك الكثير من الطلاب المسلمين.” وأردفت :” وعندها أدركت أنه طوال هذه الأعوام لم يسبق لي رؤية خريجة محجبة واحدة من كلية القانون.”
من المتوقع أن تكون ملك شلبي من ضمن السبعين ومائة طالبا وطالبة حديثي التخرج من كلية القانون لعام ٢٠٢١ في يوم الأحد, ومن أوائل المحجبات لارتداء الحجاب في حفل التخرج من الكلية.
بل من الممكن أن تكون الأولى للقيام بذلك. يقول المسئولون أن صور الصف عادة ما تأخذ في بداية العام فلا تشمل الطلاب المنتقلين خلال العام ولذلك يصعب الجزم ما إن كانت الأولى. ولذلك فقد قامت ملك شلبي بالتحري في صور صفوف الأعوام السابقة وبالتواصل مع خريجين سابقين ومشرفي مكتبة كلية القانون كما مدراء الكلية لمعرفة ما إن علموا بوجود محجبات في السابق. قال أحدهم أنه كانت توجد فتاة ترتدي حجابا ولكن لم يذكر ما إن كانت ترتديه في حفل التخرج. وتقول ملك شلبي أن أهمية كونها الأولى أم لا تكمن في أنه “لا يجب أن يشعر أحد بالإحباط لعدم قبوله في محيط ما.”
بفضل تكريس ملك شلبي والتزامها بدراستها واهتمامها بمساعدة مجتمع المسلمين كمحترفة قانونيا, كان لها العديد من الإنجازات. ولكن بالرغم من ذلك فقد كان ارتدائها لحجابها الذي هو رمز لإيمانها، كثيرا ما يؤلب عليها زملائها ومعلميها أيضا. كما قد زعم الكثيرون بكلية القانون بمجرد رؤيتها أنها لم تنشأ في الولايات المتحدة (حيث أنها قد ولدت وترعرعت في هوستن). لطالما اعتقدوا أنها مترجمة أو زبونة ما, مما أشعرها بالاستصغار وأنه “لا يتم أخذها بجدية”.
ولكن لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض فيها للتفرقة الدينية. فقد تعارضت آراء الآخرين كليا مع نظرتها لنفسها، حيث تقول ملك شلبي:” إن الحجاب هو فرض ديني بالنسبة لي”، رافضة أن يتم تحديد هويتها بحجابها فقط دون شخصها قائلة :” إيماني هو قطعا ما يقودني في كل خطوات حياتي. ولكن ما يؤسفني هو أن يتم رؤيتي كتلك الفتاة المسلمة فقط ، فبذلك يتم تجاهل كل شيء آخر أعلم أنه يمكنني تقديمه.”
قامت نداء حمزة والدة ملك شلبي بتربيتها. فقد اضطرت عندما كانت مراهقة للهجرة من الكويت إلى الولايات المتحدة في تسعينات القرن الماضي عندما اندلعت حرب الخليج. ثم التحقت هناك بالجامعة وأصبحت طبيبة أسنان. وكحال ابنتها الآن فقد قررت منذ حينها ارتداء الحجاب.
ملك شلبي هي الأكبر بين خمسة إخوة. التحقت بمدرسة إسلامية خاصة في هيوستن حيث شعرت هناك بارتفاع روحها المعنوية بفضل دعوات الأساتذة المستمرة للطلاب بأن يفخروا بانتمائهم للمجتمع الإسلامي. ولكن هذا التشجيع قد اختفى عندما انتقلت لمدرسة حكومية بعد عامها الدراسي الخامس، حيث نبذها زملائها. عندما انتقلت للمدرسة الثانوية بواشنطن بدأت بممارسة التزلج على اللوح و القرع على الطبول. كما أنها شاركت ببرنامج للمواهب في محاولات منها لألا تكون “غريبة الأطوار”، قالت ملك شلبي.
في صيف عام ٢٠١٤, وبعد عامها الأول بالمدرسة الثانوية, سافرت ملك شلبي وأسرتها إلى الأردن حيث لجأ الكثير من أفراد عائلتها السوريين. فقد هاجروا بعد أن تحولت الانتفاضة الأهلية المطالبة بالديمقراطية ضد الرئيس بشار الأسد في عام ٢٠١١ إلى حرب أهلية. وهكذا تعلمت ملك شلبي المزيد عن الثورة من هؤلاء الذين عايشوها, فبدأت بالتأمل واكتساب عمق ديني وإدراك الهدف من وجودها كشابة مسلمة في الولايات المتحدة.
عندما قررت الالتزام بارتداء الحجاب, قامت ملك شلبي بمراسلة بعض أصدقائها بالبريد الإلكتروني لإعلامهم بالأمر. فكان رد فعل البعض أن قاموا بتجاهلها عند رؤيتها في قاعات مدرسة جاكسون الثانوية في ميل كريك, حيث كانت تسكن.
وتحدثت والدتها نداء حمزة مطولا عن أهمية تربية أطفالها وبناتها على وجه الخصوص لأن يكنّ مستقلات، وبدورها تعتبر ملك شلبي والدتها أكبر مصدر قوة وإلهام لها. فهي من علمتها أن ترى العالم بنظرة عطوفة. علمت بالفعل نداء حمزة كيف ستكون نظرة أقران ملك شلبي لها عند ارتدائها للحجاب، فحذرت ابنتها أن تتخذ هذا القرار مقلدة النساء الشرقيات دون التفكير مليا في تبعاته، مؤكدة على أهمية اتخاذ ملك لهذا القرار بكامل إرادتها.
تقول نداء حمزة :” حتى عندما ارتدت ملك الحجاب فقد فكرت أنها يمكن أن تخلعه يوما ما”، وأضافت ” ولكن ما حدث هو عكس ذلك تماما. فعندما عادت من الأردن قالت “لقد وجدت هويتي أخيرا، وأنا مستعدة لمواجهة الصعاب المترتبة على هذا القرار!” في المدرسة الثانوية، وجدت ملك شلبي متسعا تكون فيه على طبيعتها عندما ارتادت صف معلم اللغة الإنجليزية دان غيري. فقد حثها وطلابه جميعا على البحث في المواضيع المهمة بالنسبة لهم. فبدأت ملك شلبي بالبحث في سياسة الولايات المتحدة الخارجية وسياسات الشرق الأوسط. وقد شجع دان غيري ملك شلبي على الإبقاء على عقلية منفتحة وأن تقدر إمتلاكها آرائها الخاصة ومقدرتها على تفسير ما تقرأه.
يقول دان غيري:” إنها تقوم بإخباري بما تفكر به وتعبر عما تشعر به من إحباط. فأقوم بإخبارها أنها إن أرادت يوما أن يصغي لها الناس وأن تحدث تغييرا ما فإنها يجب أن تكون مطلعة ومتعلمة.” وأضاف:” من الرائع حقا أن اهتماماتها الفكرية التي نمتها في المدرسة الثانوية تلهمها الآن لدراسة القانون وتدفعها للأمام.”
كطالبة في جامعة واشنطن بوثهيل، التقت ملك شلبي ممثلي كلية القانون من جامعة واشنطن الذين استضافوا حدثا في جمعية بيوجيت ساوند الإسلامية، أكبر مركز إسلامي في واشنطن. تقول ملك شلبي أنه قد تم قبولها عندما تقدمت بطلب قبول مبكر في الجامعة.
في البداية تواصلت ملك شلبي مع أستاذة اشعرتها باحترامها لها بفضل تعاطفها. ولكن في صفوف أخرى كصف الإجراءات المدنية حيث تتعلم عن القواعد والمعايير القانونية، عبرت ملك شلبي عن انزعاجها من تنقيح الكثير من الاساتذة للقضايا القانونية المهمة التي يتم تعليمهم لها.
فعلى سبيل المثال، عندما كانوا يتعلمون عن إحدى قضايا تبعات أحداث التاسع من نوفمبر، المرتبطة برجل امريكي من اصول باكستانية يدعى إقبال اشكروفت ذكرت ملك شلبي أنهم امضوا القليل فقط من الوقت في الصف لمناقشة النطاق السياسي الأوسع الذي كان يتم التحقيق فيه مع الرجل، أو انتشار المراقبة والهجمات على المجتمع المسلم بما يشمل التحرش والجرائم ضد النساء المرتديات للحجاب مما جعلهن مستهدفات في الولايات المتحدة.
في حادثة أخرى، قام استاذ بالخلط بين اسمها واسم طالبة مسلمة أخرى. تقول ملك شلبي :” إنني ممتنة للغاية لكل الفرص التي نلتها في جامعة واشنطن، ولكن هذه مشاكل في غاية الخطورة!” كلما ارتقيت لمستوى تعليمي اعلى، كلما قل عدد الأشخاص الملونين؛ وخصوصا من النساء. هذا ما قالته ليزا كاستيليا، مديرة مبادرات التنوع العرقي والتوعية المجتمعية وعلاقات الخريجين في كلية الحقوق، كما قد كانت كاستيليا مرشدة غير رسمية لملك شلبي في جامعة واشنطن.
تقول كاستيليا :” لقد واجهت نفس المشاكل عندما كنت طالبة بكلية الحقوق بجامعة واشنطن، وما زلنا نواجه نفس المشاكل إلى اليوم،وهذا يشعرني بالإحباط..” وأردفت :”ولكنني لا أندم ابدا على التحاقي بالجامعة فمن الممكن فعل الكثير من الأشياء العظيمة عند نيل درجة البكالريوس. وأنا متأكدة ان ملك شلبي حتما ستصبح رائدة في مجتمعها.”
ملك شلبي تستعد لإمتحان نقابة المحامين في المنزل بعد حفل تخرجها الذي سيقام إفتراضيا يوم الأحد بسبب جائحة كورونا، وتقول أنها تتفق مع كاستيليا.
